للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• ومن مواعظها رضي الله عنها قولها (١):

«أقلُّوا الذُّنوب؛ فإنَّكم لن تلقوا الله بشيءٍ أفضل من قلَّة الذُّنوب».

سبحان الله! ما أجمل هذه الموعظة!

إنَّ كثيرًا من الناس قد لا ينشط للطَّاعات، ولا يستطيعها، خاصةً في مواسم الطاعات الفاضلة، فمن أحسن الصدقات على النفس في هذه الحال أن يُقِلَّ من الذنوب والمعاصي؛ ولهذا لما ذكر الله تعالى الأشهر الحرم ومكانتها، قال: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦]، فتأمَّل كيف عقب سبحانه عليهم بقوله: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}؛ وذلك بفعل المعاصي صغارها وكبارها، وهذا لا ريب أنَّه من ظلم النفس.

قد يعجز بعض الناس عن صيام الهواجر، أو قيام الليل، أو الصدقة، أو الحجِّ والعمرة، أو الجهاد في سبيل الله تعالى؛ لأنَّها أفعالٌ تتطلب جهدًا وصبرًا ومصابرةً، ولكنَّ ترك المعاصي غاية ما فيه عدم الفعل، نعم، هو يحتاج إلى مجاهدة النفس على ترك المعصية، لكنَّها أيسر وأسهل على من يسَّرها الله عليه.

ولله درُّ الإمام سفيان الثَّوريِّ حين قيل له: يا أبا عبد الله، لو دعوت بدعواتٍ؟ قال: ترك الذنوب هو الدعاء (٢).

وهو يشير بذلك إلى أنَّ من أعظم ما يحقِّق إجابة الدعاء: ترك الذنوب، وفي المقابل: الذنوب سببٌ للخِذلان، والحرمان.


(١) الزهد؛ لوكيع (ص ٥٣٥) رقم (٢٧٣).
(٢) حلية الأولياء (٦/ ٣٩٣).

<<  <   >  >>