للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنَّه يعظه وهو الذي عاش همَّ الولاية وغمَّ المسؤولية، وهو الذي طالما ذرفت عيونه من الدمع؛ خوفًا من سؤال الله عن رعيَّته التي استرعاه الله عليهم، وهو الذي كان يقول: «لو ماتت شاةٌ على شطِّ الفرات ضائعةً لظننت أنَّ الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة» (١).

إنَّ الفاروق بموعظته هذه، ينبِّه القضاة خصوصًا على أعظم الموانع التي تحول بين الإنسان وبين القضاء بالحقِّ، وهي أربعٌ: الهوى، القرابة، الرغبة في الأطماع، الرهبة من ذي سلطانٍ! ثمَّ لمَّا ذكر هذه الموانع، أشار إلى الدواء والعلاج: «أن يجعل كتاب الله مرآته بين عينيه».

وكأنَّه بذلك يشير إلى وصيَّة الله تعالى لنبيِّه داود - عليه الصلاة والسلام -: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: ٢٦]، وهي التي جاء بعدها قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: ٢٩]؛ إشارةً - والله أعلم - إلى أنَّ من أقبل على القرآن متدبِّرًا، طالبًا الهدى في باب القضاء، أو البحث العلميِّ، فإنَّ الله تعالى يهديه ويدلُّه على الصواب.

• وقال الفاروق - رضي الله عنه - (٢):

«إنَّك لم تنل عمل الآخرة بشيءٍ أفضل من الزهد في الدُّنيا».

مرَّ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما - وهو معلِّقٌ لحمًا على ظهره - على عمر - رضي الله عنه -، فقال: «ما هذا يا جابر؟»، قال: «هذا لحمٌ اشتريته


(١) حلية الأولياء (١/ ٥٣).
(٢) الزهد؛ لأحمد بن حنبل (ص١٠١).

<<  <   >  >>