للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«فجعل كلَّ ما يصيب الإنسان من شرٍّ أو خيرٍ فتنةً؛ يعني: أنَّه محنةٌ يُمتحن بها؛ فإن أُصيب بخيرٍ، امتُحن به شكره، وإن أُصيب بشرٍّ امتُحن به صبره، وفتنة السراء أشدُّ من فتنة الضراء؛ قال بعض السلف: فتنة الضراء يصبر عليها البرُّ والفاجر، ولا يصبر على فتنة السراء إلا صدِّيقٌ، ولمَّا ابتلي الإمام أحمد بفتنة الضراء، صبر ولم يجزع، وقال: كانت زيادةً في إيماني، فلمَّا ابتلي بفتنة السراء - وهي شهرته وإقبال الناس عليه وتعظيمهم له - جزع وتمنَّى الموت صباحًا ومساءً، وخشي أن يكون نقصًا في دينه!» (١).

إنَّ من تأمَّل الواقع، أدرك عمق هذه الموعظة التي قالها عبد الرحمن بن عوفٍ - رضي الله عنه -: «ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر»، فكم شاهد الناس أقوامًا كانوا أيام فقرهم وتوسُّط حالهم الماديَّة على قدرٍ جيدٍ من الديانة، ورعاية الحقوق، والصِّلة، فلمَّا فتحت عليهم الدُّنيا وبسطت لهم، تغيَّرت أحوالهم للأسوأ! ودخلوا في مضايق الأمور، ومقاطع الحقوق؛ فمنهم من سجن، ومنهم من هجرة الناس، ومنهم ... ومنهم!

فنسأل الله تعالى العفو والعافية في حال السراء والضراء، وأن يجعلنا ممَّن إذا ابتلي بالخير أو الشرِّ صبر.

• ومن مواعظ عبد الرحمن بن عوفٍ - رضي الله عنه - قوله (٢):

«يا حبَّذا المال؛ أصون به عرضي، وأرضي به ربِّي!».

صدق - رضي الله عنه -، وهذا القول منه هو الفقه؛ فإنَّ الشرع لا يذمُّ جمع


(١) اختيار الأولى، في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى (١٢٣).
(٢) أدب الدنيا والدين (١/ ٣٢٩).

<<  <   >  >>