المال لذات الجمع؛ وإنَّما يذمُّه إذا جمعه صاحبه ثم قصَّر في أداء حقوقه -كالزكاة والنفقة والصِّلة والصدقة - أو تسبَّب في تعلُّقه الزائد عن حدِّه بالدُّنيا.
وأمَّا ما سرى في أبجديَّات بعض الزهَّاد، من ذمِّ المال مطلقًا، فهو كلامٌ لا يجري على قواعد الشرع ولا أصوله.
والصحيح في مسألة جمع المال وعدمه أن يفصَّل فيها، فيقال:
إن كان جمعه لمجرَّد الجمع، مع التقصير في حقِّ الله وحقِّ عباده فيه، أو ألهى عن الواجبات الشرعيَّة، أو كان سببًا في رقَّة الديانة وضعفها، فهو مذمومٌ بلا شكٍّ، أمَّا إن جمعة الإنسان لغرضٍ صالحٍ، فأنفقه في سبيل الله، ودعم مشاريع الخير، وعرف الجامع حقَّ الله فيه، فأدَّى زكاته، وأدَّى حقوقه الأخرى، فهو ليس بمذمومٍ؛ وبهذا تجتمع الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب.
وعند التأمُّل في حياة الصحابة - رضي الله عنهم - وتعامل النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - معهم، يتَّضح ما ذكرناه بجلاءٍ، فمن الذي جهَّز جيش العسرة؟ ومن الذي حفر بئر رُومة؟ بل من الذي جهَّز النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عندما أراد الهجرة؟ وكم نفع الله بأموال تجار الصحابة في قيام الدولة الإسلاميَّة! وكم نفع الله بأموال تجار المسلمين في هذا الزمان في قيام الدعوة، ودعم الجهاد وتجهيز المجاهدين في سبيل الله، وانتشار الخير في أنحاء العالم!
وممَّا يؤسف عليه أن بعض الناس يظنُّ أن من يسعى في جمع المال معدودٌ خارج دائرة الصالحين، بعيدٌ عن وصف الزهاد، مصنَّفٌ من أهل الدُّنيا بإطلاقٍ تصنيفًا بغيضًا!
وماذا أجدت هذه النظرة هؤلاء؟! إلا تأخُّرًا في مشاريع الخير،