للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعنتًا ومشقَّةً عند السعي في إقامة أيِّ مشروعٍ خيريٍّ، وتسوُّلًا مهذَّبًا عند أبواب التجار، فاضطرَّ هذا النوع من الناس إلى العودة إلى هؤلاء الذين سلبنا عنهم وصف الزهد والرغبة في الآخرة! والحمد لله أنَّ هذا الأمر ليس عامًّا، ولا شائعًا؛ لكنَّه موجودٌ (١).

وقد أبدع الإمام ابن الجوزيِّ رحمه الله في حديثه عن هذه المسألة في فصولٍ متفرِّقةٍ من كتابه الماتع «صيد الخاطر».

• ومن مواعظ عبد الرحمن بن عوفٍ - رضي الله عنه - العمليَّة (٢):

أنَّه لمَّا أتي بطعامٍ، وكان صائمًا، فقال:

«قتل مصعب بن عميرٍ وهو خيرٌ منِّي، وكفِّن في بردةٍ إن غطِّي رأسه بدت رجلاه، وإن غطِّي رجلاه بدا رأسه، وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير منِّي، ثمَّ بسط لنا من الدُّنيا ما بسط، أو قال: أُعطينا من الدُّنيا ما أُعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجِّلت لنا، ثمَّ جعل يبكي حتى ترك الطعام».

هكذا هي القلوب الحيَّة! لا تنسيها النعمة عبادة الشكر والذِّكر والتَّفُّكر في الحال والمآل.

إنَّ عبد الرحمن بن عوفٍ - رضي الله عنه - يضرب بهذا الموقف درسًا عمليًا لأرباب المال، الذين أحيا الله قلوبهم، فلم تُنسهم بسطة الرزق شكر المنعم، ولا تذكُّر ما سلف وما هم مقبلون عليه.


(١) انظر كلامًا قيِّما لابن الجوزي في كتابه القيم: «صيد الخاطر» (٢٨٣، ٢٨٦) حول هذه النقطة.
(٢) البخاري ح (٤٠٤٥).

<<  <   >  >>