بأمره مصرف بمشيئته مدبر بقدرته منظم بحكمته، والله غني عن جميع ذلك، وكل ذلك فقير إليه، وليس الصغير أفقر إليه من الكبير ولا المسبب بأفقر إليه من السبب، بل الجميع فقراء إليه وهو رب الجميع ومليكه وهو سبحانه ليس كمثله شيء في شيء من تدبيره كما قال سبحانه: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} [الشورى: ٩ - ١١]، يبين ذلك أن كل من خلف غيره في شيء فإنه يكون معيناً له فيما يعجز عنه المخلوف، إما لعدم لعلمه به وإما لعدم قدرته، فالخالف شريك المخلوف وكفؤ له كالأمير
الذي يستخلف في الأمصار خلفاء عنه فهم كلهم فاعلون ما لا يقدر هو وحده أن يفعله وهم مشاركون له مكافئون له وهو وهم متعاونون على جملة التدبير. وكل منهم ينتفع بما يعاونه الآخر عليه، والله تعالى ليس كذلك، بل الغني مطلقاً بنفسه عن الخلق وهو الخالق لكل شيء. ثم إن من رحمته أنه يأمر العبيد بما يصلحهم وينهاهم عما يفسدهم وهو الذي يعينهم على فعل المأمور وترك المحظور ولا يقدرون على فعل ذلك إلا بإعانته بل بخلق ذلك كله قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ (٢٣)} [سبأ: ٢٢ - ٢٣]، وقال تعالى:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}[الإسراء: ١١١]، وإنما يتخيل أنه خليفة عن الله ونائب عنه بمنزلة ما يعهد عن الخلفاء والنواب عن المخلوقين منهم من يكون جباراً منازعاً لله في كبريائه وعظمته كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه