لكل شيء، فالآدميون يموتون ويغيبون فيكون من يخلفهم، والله حي قيوم لا يغيب فلا يكون له من يخلفه، بل هو سبحانه يخلف من يغيب أو يموت كما يكون خليفة المؤمن في أهله إذا سافر ويكون خليفة له إذا مات، فيكفي أولئك الذين كان المؤمن يكفيهم في هدايتهم ورزقهم ونصرهم، يبين ذلك أن الإنسان إذا آتاه ملكاً أو لم يؤته إما أن يكون عند الله عاملاً بطاعته وطاعة رسله أو لا يكون، فإن كان من القسم الأول كان من عباد الله كالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهؤلاء هم الذين قال الله تعالى فيهم:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الحجر: ٤٢]، وقال إبليس: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)} [صّ: ٨٢ - ٨٣]، ونحو ذلك، والعبد العامل بأمر الله هو عابد لربه متوكل عليه. لم يخالف ربه في أمر من الأمور كما أن الملائكة الذين لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
ليسوا مخالفين لله في أمر من الأمور وإن كانوا عاملين بأمره عابدين له مطيعين وهم المدبرات أمراً، والمقسمات أمراً، وإن كان الإنسان غير عامل بطاعة الله ورسوله بل عاص لله ورسوله فهذا أبعد أن يكون عمله ذلك خلافة عن ربه وهو يعمل ما يبغضه الله ويكرهه وينهى عنه، فقد ظهر أنه لا وجه أن يجعل واحد من هذين خليفة عن الله لا من يعبده ويطيعه، ولا من يشرك به ويعصيه، هذا من جهة القضاء والقدر والأمر الكوني فإن الله خالق كل شيء فهو خالق كل حي من الملائكة والإنس والجن والبهائم وخالق قدرهم وإراداتهم وأفعالهم، كما أنه خالق غير الأجسام، وهو وإن كان يخلق الأشياء بعضها ببعض كما يخلق النبات بالمطر ويخلق المطر بالسحاب فليس شيء من ذلك خليفة إذ هو الخالق له ولما يخلقه به فهو رب كل شيء ومليكه ولو جاز ذلك لكان كل مخلوق خليفة عن الله، بل جميع ذلك مسخر