يقدر هذا القدر. وهذا من المعلوم بالضرورة من العقل والدين.
قيل ليس ظاهر الحديث أن الله طوله ستون ذراعاً، ومن زعم أن هذا ظاهره أو حمله عليه فهو مفتر كذاب ملحد، فإن فساد هذا معلوم بالضرورة من العقل والدين كما تقدم. ومعلوم أيضاً عدم ظهوره من الحديث فإن الضمير في قوله طوله عائد إلى آدم الذي قيل فيه:«خلق آدم على صورته» ثم قال: «طول آدم ستون ذراعاً فلما خلقه قال له: اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة، فهذه الضمائر كلها عائدة إلى آدم، وهذا منها أيضاً. فلفظ الطول وقدره ليس داخلا في مسمى الصورة حتى يقال إذا قيل: «خلق الله آدم على صورته» وجب أن يكون على قدره وطوله، بل من المعلوم أن الشيئين المخلوقين قد يكون أحدهما على صورة الآخر مع التفاوت العظيم في جنس ذواتهما وقدر ذواتهما، وقد تظهر السموات والقمر في صورة ماء أو مرآة في غاية الصغر ويقال: هذه صورتها مع العلم بأن حقيقة السموات والأرض أعظم من ذلك بما لا نسبة لأحدهما إلى الآخر. وكذلك المصور الذي يصور صورة السموات والكواكب والشمس والقمر والجبال والبحار بصورة ذلك مع أن الذي يصوره وإن شابه ذلك فإنه أبعد شيء عن حقيقته وعن قدره، والإضافة تتنوع دلالتها بحسب المضاف إليه فلما قال في آخر الحديث:«فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً» هذا يقتضي مشابهة الجنس في القدر لأن صورة المضاف من جنس صورة المضاف إليه وحقيقتهما واحدة. وأما قوله:«خلق آدم على صورته» فإنها تقتضي نوعاً من المشابهة فقط. لا تقتضي تماثلاً لا في حقيقة ولا قدر، وأما الذين ظنوا أن الضمير في قوله:«طوله ستون ذراعاً» لما كان عائداً إلى آدم لم تكن له صورة قبل ذلك يخلق عليها وذكرنا الوجوه المتعددة الدالة على فساد