للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلم والقدرة أعظم من المشابهة والمشاركة في مجرد مسمى الوجه - إلى أن قال-: ومعلوم أن هذا الذي جاءت به السنة من ثبوت هذا الشبه من بعض الوجوه، والله هو الذي خلق آدم على صورته هو خير مما ذكره المؤسس (١) فاستشهد عليه بما ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله: «تخلقوا بأخلاق الله»، فإن هذا من جنس ما يقوله المتفلسفة الصابئون ومن سلك مسلكهم من الإسلاميين من قولهم إن الفلسفة هي التشبه بحسب الطاقة فيثبتون أن العبد يصير شبيهاً بالله تعالى بفعل نفسه ويحتج من اتبعهم على ذلك كأبي حامد وغيره بقوله: تخلقوا بأخلاق الله وهذا اللفظ لا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من كتب الحديث ولا هو معروف عن أحد من أهل العلم، بل هو من باب الموضوعات عندهم. وإن كان قد يفسر بمعنى صحيح يوافق الكتاب والسنة، فإن الشارع قد ذكر أنه يجب اتصاف العبد بمعاني أسماء الله تعالى كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميل يحب الجمال» «إنه وتر يحب الوتر» «إنه طيب لا يقبل إلا طيبا» «الراحمون يرحمهم الرحمن» «إنك عفو تحب العفو فاعف عني» «إن الله نظيف يحب النظافة» (٢)

لكن المقصود أن هؤلاء مع كونهم أظهر الناس تبرءاً من التشبيه يزعمون أن كمال الفلسفة عندهم أن يفعل الإنسان ما يصير به مشابهاً لله في الجملة، وقد وافقهم عليه بعض المتكلمين وإن كان كثير من المتكلمين يخالفونهم في ذلك ويقول أخبرهم كالمازري ليس لله خلق يتخلق به العبد فلأن يكون الله هو القادر على أن يخلق ما يشبهه من بعض الوجوه أولى وأحرى فيكون هذا ثابتاً بخلق الله تعالى. وأما الأخلاق والأفعال


(١) المؤسس هو أبو عبد الله الرازي تراجع حاشية في صفحة ٦٩.
(٢) رواه الترمذي موقوفاً على سعيد بن المسيب ومرفوعاً عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وفي إسناده خالد بن إلياس. قال ابن معين والبخاري ليس بشيء. وقال أحمد والنسائي متروك وقال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات وذكر منها هذا الحديث ..