الشيطان مِنْك ثُمّ غَسَلَه وَمَلأه حِكْمَة وَإيمانًا كَمَا تَظَاهَرَت بِه أَخْبَار المَبْدإ وَلَا يُشَبَّه عَلَيْك بِقَوْل إِبْرَاهِيم فِي الْكَوْكَب وَالقَمَر وَالشَّمْس هَذَا
رَبّي فَإنَّه قَد قِيل كَان هَذَا فِي سِنّ الطُّفُولِيَّة وَابْتِدَاء النَّظَر وَالاسْتِدْلال وَقَبْل لُزُوم التَّكْلِيف وَذَهَب مُعْظَم الحُذَاق مِن الْعُلمَاء وَالْمُفَسّرِين إِلَى أنَّه إنَّمَا قَال ذَلِك مُبَكّتًا لِقَوْمِه وَمُسْتَدِلًا عَلَيْهِم وَقِيل مَعْنَاه الاسْتِفْهَام الْوَارِد مَوْرِد الإنْكَار، وَالمُرَاد فَهَذَا رَبّي، قَال الزَّجّاج قَوْله (هَذَا رَبِّي) أَي عَلَى قولِكُم كَمَا قَال أَيْنَ شُرَكَائِيَ؟ أَي عِنْدَكُم، وَيَدُلّ عَلَى أنَّه لَم يَعْبُد شَيْئًا من ذَلِك وَلَا أشْرَك قَطّ بالله طَرْفَة عَيْن: قَوْل اللَّه عَزّ وَجَلّ عَنْه (إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ) ثم قَالَ: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ؟ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ) وَقَال: (إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) أَي مِنَ الشِّرْكِ، وَقَوْلُه: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) فَإِن قُلْت فَمَا مَعْنَي قَوْله: (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضالين) قِيل إنَّه إنّ لَم يُؤَيّدْنِي بِمَعُونَتِه أكُن مِثْلَكُم فِي ضَلَالَتِكُم وَعِبَادَتِكُم عَلَى مَعْنَي الإشْفَاق وَالحَذَر وَإلَّا فَهُو مَعْصُوم في الأزل من الضَّلَال فِإن قُلْت فَمَا مَعْنَي قَوْلِه: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ في ملتنا) ثُمّ قَال بَعْد عَن الرُّسُل (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ منها) فَلَا يُشْكل عَلَيْك لَفْظَة العَوْد وَأنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّهُم إنَّمَا يعودون إِلَى مَا كَانُوا فِيه من مِلَّتِهِم فَقَد تَأْتِي هَذِه اللّفْظَة فِي كَلَام الْعَرَب لَغَيْر مَا ليس
(قوله مبكتا) أي معتفا (*)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute