للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووجود شيء لم يوجد ولم يعرف من أصله في ذاته وصفته ...».

«وإذا ثبت هذا الأصل وهو أن تصوير الشبه بين المختلفين في الجنس مما يحرّك قوى الاستحسان، ويثير الكامن من الاستظراف فإن التمثيل- أي التشبيه- أخصّ شيء بهذا الشأن».

فالتشبيه عنده «يعمل عمل السحر في تأليف المتباينين حتى يختصر بعد ما بن المشرق والمغرب، ويجمع ما بين المشئم والمعرق (١). وهو يريك للمعاني الممثلة بالأوهام شبها في الأشخاص الماثلة والأشباح القائمة، وينطق لك الأخرى، ويعطيك البيان من الأعجم، ويريك الحياة في الجماد ويريك التئام عين الأضداد، فيأتيك بالحياة والموت مجموعين، والماء والنار مجتمعين. كما يقال في الممدوح هو حياة لأوليائه، موت لأعدائه، ويجعل الشيء من جهة ماء ومن أخرى نار، كقول الشاعر:

أنا نار في مرتقى نظر الحا ... سد ماء جار مع الإخوان

وكما يجعل الشيء حلوا مرّا، وصابا عسلا، وقبيحا حسنا، وأسود أبيض في حال كقول الشاعر:

له منظر في العين أبيض ناصع ... ولكنه في القلب أسود أسفع (٢)

ويجعل الشيء قريبا بعيدا معا، كقول البحتري:

دان على أيدي العفاة وشاسع ... عن كل ندّ في الندى وضريب

كالبدر أفرط في العلو وضوؤه ... للعصبة السارين جدّ قريب

ويجعله حاضرا غائبا، كقول الشاعر:


(١) المشئم: من أتى من الشام، والمعرق: من أتى من العراق.
(٢) الأسفع: الأسود المشرب بحمرة، والاسم السفعة بضم السين.

<<  <   >  >>