للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - كتب عمرو بن مسعدة الكاتب إلى المأمون في أمر بعض أصحابه وهو: «أما بعد فقد استشفع بي فلان إلى أمير المؤمنين ليتطول في إلحاقة بنظر أنه من الخاصة، فأعلمته أن أمير المؤمنين لم يجعلني في مراتب المستشفعين، وفي ابتدائه بذلك تعدى طاعته». فوقع المأمون في ظهر كتابه قد عرفت تصريحك له وتعريضك لنفسك، وقد أجبناك إليهما. وهذا من أحسن التعريضات (١).

[بلاغة الكناية]

الكناية من أساليب البيان التي لا يقوى عليها إلا كل بليغ متمرس بفن القول. وما من شك في أن الكناية أبلغ من الإفصاح والتعريض أوقع في النفس من التصريح.

وإذا كان للكناية مزية على التصريح فليست تلك المزية في المعنى المكنى عنه، وإنما هي في إثبات ذلك المعنى للذي ثبت له. فمعنى طول القامة وكثرة القرى مثلا لا يتغير بالكناية عنهما بطول النجاد وكثرة رماد القدر، وإنما يتغير بإثبات شاهده ودليله وما هو علم على وجوده، وذلك لا محالة يكون أثبت من إثبات المعنى بنفسه.

فالمبالغة التي تولدها الكناية وتضفي بها على المعنى حسنا وبهاء هي في الإثبات دون المثبت، أو في إعطاء الحقيقة مصحوبة بدليلها، وعرض القضية وفي طيها برهانها.

هذا أبو فراس الحمداني وهو أسير في بلاد الروم يخاطب ابن عمه سيف الدولة بقوله:


(١) ارجع في ذلك إلى المثل السائر ص ٢٤٧ - ٢٥٨.

<<  <   >  >>