للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيا غائبا حاضرا في الفؤاد ... سلام على الحاضر الغائب (١)

ثم يخلص عبد القاهر من كل ذلك إلى القول بأن الشاعر الصنّاع يبلغ بتصرفه في التشبيه إلى غايات الابتداع، فيقول: «وكفى دليلا على تصرفه باليد الصناع وإيفائه على غايات الابتداع أن يريك العدم وجودا والوجود عدما، والميت حيّا والحيّ ميتا، أعني جعلهم الرجل إذا بقي له ذكر جميل وثناء حسن بعد موته كأنه لم يمت، وجعل الذكر حياة له، كما قال: «ذكرة (٢) الفتى عمره الثاني»، وحكمهم على الخامل الساقط القدر الجاهل الدنيء بالموت ... ولطيفة أخرى له وهي: جعل الموت نفسه حياة مستأنفة حتى يقال إنه بالموت استكمل الحياة في قولهم: «فلان عاش حين مات» يراد الرجل تحمله النفس الأبيّة والأنفة من العار أن يسخو بنفسه في الجود والبأس وقتال الأعداء، حتى يكون له يوم لا يزال يذكر، وحديث يعاد على مرّ الدهور ويشهر، كما قال ابن نباتة:

بأبي وأمي كل ذي ... نفس تعاف الضيم مرة

يرضى بأن يردّ الردى ... فيميتها ويعيش ذكره» (٣)

...

[عيوب التشبيه]

لعلّ التشبيه من بين الأساليب البيانية أكثرها دلالة على قدرة البليغ وأصالته في فن القول. وذلك لأن التشبيه هو في الواقع ضرب من التصوير


(١) أسرار البلاغة ص ١٠٢ - ١١٤.
(٢) الذكرة بضم الذال: الصّيت.
(٣) أسرار البلاغة ص ١٠٢ - ١١٤.

<<  <   >  >>