بالأمثلة والشواهد التي تفصّلها وتوضحها، إدراكا منه بأنّ التعليم النافع إنما يكون بقرن الصور المفصلة بالصورة المجملة، إذ بالتفصيل تعرف المسائل، وبالإجمال تحفظ في العقل.
وبهذه الطريقة امتاز كتاباه على كتب البلاغة الأخرى التي اقتصرت على سرد القواعد بعبارات اصطلاحية تأباها بلاغة الأساليب العربية، والتي لا تذكر من الشواهد والأمثلة إلّا القليل النادر الذي أدلى به السابق إلى اللاحق.
[الزمخشري]
ثمّ ظهر بعد عبد القاهر الجرجاني عالم آخر كان له أثر كبير في ميدان البلاغة العربية ونهضتها.
ذلك هو العالم المعتزلي جار الله محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة ٥٣٨ للهجرة، والذي ضرب بسهم وافر في علوم العربية والتفسير، وله فيها المؤلفات القيّمة التي تشهد بفطنته وسعة علمه.
ومن مؤلفاته التي وصلت إلينا «المفصل» في علم النحو، و «مقات الزمخشري» في التصوف، و «أساس البلاغة» وهو معجم لغوي يورد فيه المعاني اللغوية للكلمة، موضحا إياها في عبارات، ومردفا ذلك بمعانيها المجازية، ولكن أهم كتاب اشتهر به منذ عصره هو «الكشاف» الذي قدّم فيه صورة رائعة لتفسير القرآن، وأشاد به حتى أهل السنة على الرغم من اعتزال مؤلفه.
واهتمام المعتزلة بتفسير الإعجاز البلاغي للقرآن اهتمام قديم، فقد كتب فيه من رجالهم الجاحظ والرماني وعبد الجبار المعتزلي ثمّ الزمخشري الذي أقبل بشغف على الدراسات البلاغية ولا سيما كتابات عبد القاهر