للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تتأتى الإجادة أو الإبداع فيه إلا لمن توافرت له أدواته، من لفظ ومعنى وصياغة، ومن سموّ خيال ورهافة حسّ، ومن براعة في تشكيل صور التشبيه على نحو يبثّ فيها الحركة ويمنحها الجمال والتأثير.

ومن أجل ذلك يقال: إن التشبيه بين ألوان البلاغة ممعن في الترف، كثير الأناقة، شديد الحساسية، رقيق المزاج، وأيّ تهاون فيه يعيبه، ويخرجه من الحسن إلى القبح.

وهذا القبح أنواع كثيرة، منها ما يرجع إلى اللفظ أو المعنى أو الصياغة أو الخيال أو الأصول البلاغية التي يبنى

عليها التشبيه.

فمن الأصول البلاغية أن يشبّه الشيء بما هو أكبر وأقوى منه، فيشبه الحسن مثلا بالأحسن، والقبيح بالأقبح، والبينّ الواضح بما هو أبين وأوضح منه، وإلا كان التشبيه ناقصا.

وطبقا لذلك يقول ابن الأثير: «ومن ههنا غلط بعض الكتاب من أهل مصر في ذكر حصن من حصون الجبال مشبّها له فقال: هامة عليها من الغمامة عمامة، وأنملة (١) خضبها الأصيل فكان الهلال منها قلامة.

وهذا الكاتب حفظ شيئا وغابت عنه أشياء، فإنه أخطأ في تشبيه الحصن بالأنملة، أي مقدار للأنملة بالنسبة إلى تشبيه حصن على رأس جبل؟».

ثم يستطرد ابن الأثير: «فإن قيل إن هذا الكاتب تأسى فيما ذكره بكلام الله تعالى حيث قال: والقمر قدّرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم. فمثل الهلال بأصل عذق النخلة. والجواب أنه شبّه الهلال في


(١) الأنملة بتثليث الهمزة مع تثليث الميم: مفصل الإصبع الذي فيه الظفر، وقيل الأنامل:
رؤوس الأصابع، والقلامة: طرف الظفر المقلوم.

<<  <   >  >>