للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآية بالعرجون القديم، وذلك في هيئة نحوله واستدارته لا في مقداره، فإن مقدار الهلال عظيم ولا نسبة للعرجون إليه، لكنه في مرأى النظر كالعرجون هيئة لا مقدارا. وأما هذا الكاتب فإن تشبيهه ليس على هذا النسق، لأنه شبّه صورة الحصن بأنملة في المقدار لا في الهيئة والشكل، وهذا غير حسن ولا مناسب.

ومن بلاغة التشبيه أن يثبت للمشبّه حكم من أحكام المشبّه به، فإذا لم يكن بهذه الصفة أو كان بين المشبه به بعد فإن ذلك مما يعيب التشبيه ويضع من قيمته البلاغية.

ومن أمثلة ذلك قول أبي تمام:

لا تسقني ماء الملام فإنني ... صبّ قد استعذبت ماء بكائي

فالشاعر جعل للملام ماء، وذلك تشبيه بعيد، وسبب بعده أن الماء مستلذ والملام مستكره فحصل بينهما المخالفة والبعد من هذه الجهة.

ومنه قول المرّار:

وخال على خديك يبدو كأنّه ... سنا البدر في دعجاء باد دجونها (١)

فالمتعارف عليه أنّ الخدود بيض والخال أسود، ولكنّ الشاعر رغم ذلك يشبه الخال بضوء البدر والخدين بالليلة

المظلمة. فالتشبيه هنا ليس بعيدا فحسب، بل هو مناقض للعادة، ومن أجل ذلك فهو تشبيه رديء.

ومن بعيد التشبيه أيضا قول الفرزدق:


(١) الدعجاء: السوداء، وهي هنا صفة لموصوف محذوف، والتقدير: ليلة دعجاء، ودجونها:
سوادها.

<<  <   >  >>