للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يمشون في حلق الحديد كما مشت ... جرب الجمال بها الكحيل المشعل (١)

فالفرزدق شبّه الرجال في دروع الزرد بالجمال الجرب، وهذا من التشبيه البعيد؛ لأنّه إن أراد السواد فلا مقاربة بينهما في اللون لأنّ لون الحديد أبيض، ومن أجل ذلك سميت السيوف بالبيض. ومع كون هذا التشبيه بعيدا فإنّه تشبيه سخيف.

ومنه كذلك قول أعرابي:

وما زلت ترجو نيل سلمى وودها ... وتبعد حتى ابيض منك المسائح

ملا حاجبيك الشيب حتى كأنّه ... ظباء جرت منها سنيح وبارح (٢)

فشبه شعرات بيضا في حاجبيه بظباء سوانح وبوارح تمر بين يديه يمينا وشمالا. فهذا كما ترى من بعيد التشبيه.

ومنه قول أبي نواس في الخمر:

وإذا ما الماء واقعها ... أظهرت شكلا من الغزل

لؤلؤات ينحدرن بها ... كانحدار الذرّ من جبل

فشبّه الجب في انحداره بنمل صغار ينحدر من جبل، وهذا من


(١) الكحيل: النفط أو القطران يطلى به الإبل، وأشعل إبله بالكحيل أو القطران طلاها به وكثره عليها.
(٢) ملا: ملأ، وسهلت الهمزة لضرورة الشعر، المسائح: جوانب الرأس أو الشعر، جمع مسيحة، والسنيح أو السانح من الظباء والطير خلاف البارح، وهو ما يمر بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك، والعرب تتيمن به، لأنّه أمكن للرمي والصيد، والبارح من الظباء والطير: ما مر منها بين يديك من يمينك إلى يسارك، والعرب تتطير به، لأنّه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف.

<<  <   >  >>