البعيد، كما يقول ابن الأثير، على غاية لا يحتاج فيها إلى بيان وإيضاح.
...
وقد يكون التشبيه مصيبا ولكنّ وقع المشبه به على النفس صورة كان أو صفة أو حالا قد يثير فيها حالا من البشاعة أو الاستنكار، وبهذا يفقد التشبيه روعته وسحره وتنتفي عنه صفة البلاغة، ويضحى تشبيها قبيحا معيبا. ومن أمثلة ذلك قول شاعر يصف روضا:
كأنّ شقائق النعمان فيه ... ثياب قد روين من الدماء
فتشبيه شقائق النعمان بالثياب المرتوية بالدماء قد يكون هذا تشبيها مصيبا ولكن فيه بشاعة ذكر الدماء، ولو شبه الشقائق مثلا بالعصفر الأحمر اللون أو ما شاكله لكان أوقع في النفس وأقرب إلى الأنس.
وقول امرئ القيس:
وتعطو برخص غير شثن كأنّه ... أساريع ظبي أو مساويك أسحل (١)
فامرؤ القيس يقول إنّ صاحبته تتناول الأشياء ببنان أو أصابع رخصة ليّنة ناعمة، ثمّ يشبه تلك الأنامل بدود الرمل أو المساويك المتخذة من شجر الأسحل. فقد يكون تشبيه البنان بهذا الضرب من الدود مصيبا من جهة اللين والبياض والطول والاستواء والدقة، ولكنه في الوقت ذاته يحضر إلى الذهن صورة الدود وفي ذلك ما فيه من نفور النفس واشمئزازها. ومن
(١) تعطو: تتناول، برخص: أراد به بنانا أو أصابع رخصة لينة، غير شثن: ليس بخشن، الأساريع: دود يكون في الرمل تشبه أنامل النساء به، الظبي: اسم رملة بعينها، والأسحل: شجر تتخذ من أغصانه الدقيقة المستوية مساويك كالأراك، وتشبه به الأصابع في الدقة والاستواء.