ويوضح ابن الأثير كلامه هذا بما معناه أنّ إطلاق لفظ «الشمس» على الوجه المليح مجاز، وإطلاق لفظ «البحر» على الرجل الجواد مجاز أيضا. ومن هذا يرى أنّ لفظ «الشمس» له دلالتان، إحداهما حقيقية وهي هذا الكوكب العظيم الكثير الضوء، والأخرى مجازية وهي الوجه المليح، وأنّ لفظ «البحر» له دلالتان أيضا، إحداهما هذا الماء العظيم الملح وهي حقيقية، والأخرى هذا الرجل الجواد وهي مجازية.
ولا يمكن أن يقال إنّ هاتين الدلالتين سواء، وإنّ الشمس حقيقية في الكواكب والوجه المليح، وإنّ البحر حقيقية في الماء العظيم الملح والرجل الجواد. لأنّ ذلك لو قيل لكان اللفظ مشتركا بحيث إذا ورد أحد هذين اللفظين مطلقا بغير قرينة تخصصه لم يفهم المراد به ما هو من أحد المعنيين المشتركين المندرجين تحته، على حين أنّ الأمر بخلاف ذلك، لأننا إذا قلنا «شمس» أو «بحر» وأطلقنا القول لم يفهم من ذلك وجه مليح ولا رجل جواد، وإنّما يفهم منه ذلك الكوكب المعلوم وذلك الماء المعلوم لا غير.
والمرجع في هذا وما يجري مجراه إلى أصل اللغة التي هي وضع الأسماء على المسميات، ولم يوجد فيها أنّ الوجه المليح يسمى شمسا ولا أنّ الرجل الجواد يسمى بحرا، وإنما أهل الخطابة والشعر هم الذين توسعوا في الأساليب المعنوية فنقلوا الحقيقة إلى المجاز، ولم يكن ذلك من واضع اللغة في أصل الوضع، ولهذا اختص كل منهم بشيء اخترعه في التوسعات المجازية.
هذا امرؤ القيس قد اخترع شيئا لم يكن قبله، فمن ذلك أنّه أوّل من عبّر عن الفرس بقوله:«قيد الأوابد»(١) ولم يسمع ذلك لأحد من
(١) وردت هذه العبارة في بيت من معلقة امرئ القيس هو: