للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتكلم من الحكم فيه لضرب من التأويل إفادة للخلاف لا بواسطة وضع، كقولك: أنبت الربيع البقل، وشفى الطبيب المريض، وكسا الخليفة الكعبة، وهزم الأمير الجند، وبنى الوزير القصر (١).

وعرف الخطيب القزويني هذا المجاز بقوله: «هو إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس له غير ما هو له بتأويل». وللفعل ملابسات شتى، فهو يلابس الفاعل والمفعول به والمصدر والزمان والمكان والسبب، فإسناد الفعل إلى الفاعل إذا كان مبنيا له حقيقة، وكذا إسناده إلى المفعول إذا كان مبنيا له. أمّا إسناد الفعل إلى غيرهما لمشابهته لما هو له في ملابسة الفعل فمجاز، كقولهم في المفعول به: عيشة راضية، وماء دافق، وكقولهم في عكسه: سيل مفعم، وفي المصدر: شعر شاعر، وفي الزمان: نهاره صائم وليله قائم، وفي المكان: طريق سائر، ونهر جار، وفي السبب: بنى الأمير المدينة (٢).

أمّا عبد القاهر الجرجاني فيسمي هذا الضرب من المجاز «المجاز الحكمي». ويفهم من كلامه أنّه يقصد به المجاز الذي لا يكون في ذات الكلمة ونفس اللفظ، ففي قولك: «نهارك صائم وليلك قائم» ليس المجاز في نفس «صائم وقائم» ولكن في إجرائهما خبرين على «النهار والليل».

وكذلك في قوله تعالى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ ليس المجاز في لفظة «ربحت» نفسها ولكن في إسنادها إلى «التجارة». فكل لفظة هنا أريد بها معناها الذي وضعت له على وجهه وحقيقته- فلم يرد بصائم غير الصوم، ولا بقائم غير القيام، ولا بربحت غير الربح (٣).


(١) مفتاح العلوم للسكاكي ص ٢٠٨.
(٢) الإيضاح لمختصر تلخيص المفتاح ص ٢٠.
(٣) دلائل الإعجاز ص ١٩٤.

<<  <   >  >>