وهم يعدون هذا النوع من أجمل الصور البيانية لما فيه من التشخيص والتجسيد وبث الحياة والحركة في الجمادات وتصوير المعنويات في صورة محسة حية.
وبعد فقد عرضنا في مستهل هذا الكتاب وعلى التحديد في مبحث «نشأة علم البيان وتطوره» لتاريخ الاستعارة مبينين كيف نشأ البحث فيها وتطور لدى رجال البلاغة في العصور المختلفة.
وليس من قصدنا أن نعيد هنا ما سبق أن ذكرناه عن الاستعارة، فهذا أمر يمكن الرجوع إليه وتتبعه تاريخيا في مكانه من الكتاب. وإنما القصد أن نلقي مزيدا من الضوء على أوائل من فطنوا إلى الاستعارة وقاموا بالمحاولة الأولى في بحثها، تلك المحاولة التي التقطها البلاغيون من بعدهم وتوسعوا في دراستها، حتى وصلت الاستعارة بفضل جهودهم إلى ما وصلت إليه من التفريع والتقسيم.
ذلك هو القصد، وقصد آخر هو أن نتخذ من ذلك مدخلا إلى دراسة الاستعارة دراسة موسعة تعززها الأمثلة والشواهد الكثيرة، وذلك لأهميتها في باب البيان العربي، تلك الأهمية التي جعلت إماما من أئمة البلاغة هو عبد القاهر الجرجاني ينظر إليها وإلى المجاز والتشبيه والكناية على أنها عمد الإعجاز وأركانه، والأقطاب التي تدور البلاغة عليها، وذلك إذ يقول:«ولم يتعاط أحد من الناس القول في الإعجاز إلا ذكرها، وجعلها العمد والأركان فيما يوجب الفضل والمزية، وخصوصا الاستعارة والمجاز، فإنك تراهم يجعلونهما عنوان ما يذكرون وأول ما يوردون»(١).