والغرض من الاستعارة، والاستعارة المصيبة ووقعها، وفضل الاستعارة على الحقيقة، ولا بدّ لكل استعارة ومجاز من حقيقة، ولا بدّ من معنى مشترك بين المستعار والمستعار منه، والاستعارة أبلغ من الحقيقة، والاستعارة في كلام العرب والنبي والصحابة والأعراب، والاستعارة في أشعار المتقدمين، وفي كلام المحدثين.
وقد عدّ أبو هلال الكناية ضمن فنون البديع، وعقد لها فصلا عرّفها فيه وذكر نماذج من الجيد والمعيب منها، مع أنّها من مباحث علم البيان، وليس المهم إلى أي علوم البلاغة قد نسبها، وإنّما المهم أنّه أتى على ذكرها في كتابه.
وطريقته في معالجة هذه الموضوعات البيانية ليست طريقة عالم البلاغة المعنيّ بدقائقها وتفاصيلها، وإنما هي طريقة من يمزج البلاغة بالأدب والنقد، وإذا القارئ أمام مزيج ترتاح إليه نفسه، ويستدرجه إلى الاسترسال في تحصيله طلبا للمزيد من المتعة العقلية والأدبية.
...
وبعد فلعلنا أدركنا من ثنايا عرضنا التاريخي للبيان منذ نشأة البحث فيه حتى الآن كيف تطور على مرّ العصور، وكيف تضافرت جهود الباحثين فيه تدريجيا على كشف أصوله من تشبيه وحقيقة ومجاز واستعارة وكناية، وكيف أخذت معالم هذه الأصول تتضح وتتلاحق واحدة بعد الأخرى.
وقد ظلّ الأمر كذلك حتى ظهر عبد القاهر الجرجاني في القرن الخامس الهجري فاقتطف ثمار هذه الجهود واتّخذ منها مادة استعان بها في وضع نظرية علم البيان.