فهو يمثل للكناية في كتابه هذا بأمثلة من نحو قوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ، وقوله: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ، وقوله: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ ثمّ يعقب عليها بأنّ الله سبحانه كنّى بالضمير في الأول عن الأرض، وفي الثانية عن الشمس. وفي الثالثة عن الروح.
فهو يستعمل الكناية استعمال اللغويين والنحاة بمعنى «الضمير»، ومعنى هذا أنّ الكناية عنده هي كل ما فهم من سياق الكلام من غير أن يذكر اسمه صريحا في العبارة.
ثمّ نلتقي بعد أبي عبيدة بالجاحظ «٢٥٥ هـ» فقد وردت الكناية عنده بمعناها العام وهو التعبير عن المعنى تلميحا لا تصريحا وإفصاحا كلما اقتضى الحال ذلك.
يفهم ذلك من قوله:«رب كناية تربى على إفصاح» كما تفهم من إيراده لتعريف البلاغة عند بعض الهنود وذلك إذ يقول: «وقال بعض الهنود: جماع البلاغة البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة. ومن البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة أن تدع الإفصاح بها إلى الكناية، إذا كان الإفصاح أوعر طريقة»(١). من ذلك يتضح أنّ الكناية عنده تقابل الإفصاح والتصريح إذا اقتضى الحال ذلك.
وفي حديثه عن بلاغة الخطابة والخطب يسلك الكناية مع بعض الأساليب البلاغية التي يقتضيها الحال أحيانا من إطناب وإيجاز يأتي كالوحي والإشارة، وفي ذلك يقول في معرض الحديث عن تناسب الألفاظ مع الأغراض: «ولكل ضرب من الحديث ضرب من اللفظ، ولكل نوع من المعاني نوع من الأسماء: فالسخيف للسخيف، والخفيف للخفيف،