وأبو علي الحسن بن رشيق القيرواني «٤٥٦ هـ» عقد في كتابه «العمدة» فصلا خاصا بالإشارة أشاد في مستهله بفضلها وأثرها في الكلام قائلا: «والإشارة من غرائب الشعر وملحه، وهي بلاغة عجيبة تدل على بعد المرمى وفرط المقدرة، وليس يأتي بها إلّا الشاعر المبرز والحاذق الماهر، وهي في كل نوع من الكلام لمحة دالة، واختصار وتلويح يعرف مجملا، ومعناه بعيد من ظاهر لفظه».
ثمّ يستطرد إلى بيان أنواعها والتمثيل لها فيعد منها: الإيماء والتفخيم والتلويح والتمثيل والرمز والتعريض والكناية. وفي كلامه عن الكناية نراه متأثرا برأي المبرد السابق في أنّها تأتي على ثلاثة أوجه هي: كناية التعظيم والتفخيم ممثلة في الكنية، وكناية الرغبة عن اللفظ الخسيس، وكناية التغطية والتعمية.
وعن هذا الوجه الأخير من الكناية يقول: إنّه هو التورية في أشعار العرب حيث يكنون عن الشجر بالناس كقول المسيّب بن علس:
دعا شجر الأرض داعيهمو ... لينصره السّدر والأثاب
فكنى بالشجر عن الناس، وهم يقولون في الكلام المنثور: جاء فلان بالشوك والشجر، إذا جاء بجيش عظيم.
كذلك يكنون عن المرأة بالشجرة والنخلة والسرحة والبيضة والناقة والمهرة والشاة والنعجة أو ما شاكل ذلك.
ثمّ أورد على ذلك بعض أمثلة منها قول حميد بن ثور الهلالي عند ما حظر عمر على الشعراء ذكر المرأة:
تجرّم أهلوها لأن كنت مشعرا ... جنونا بها يا طول هذا التجرّم
ومالي من ذنب إليهم علمته ... سوى أنني قد قلت يا سرحة اسلمي