للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصفات التي يكون هو موضعها، وهي اللب والرعب والحقد. وهذا كناية عن «موصوف» هو القلب لأن القلب موضع هذه الصفات وغيرها.

٢ - وقال أبو نواس في وصف الخمر:

فلما شربناها ودب دبيبها ... إلى موطن الأسرار قلت لها: قفي

مخافة أن يسطو عليّ شعاعها ... فيطلع ندماني على سرّي الخفي

فالكناية في البيت الأول وهي «موطن الأسرار». يريد أبو نواس أن يقول: «فلما شربنا الخمر ودب دبيبها، أي سرى مفعولها إلى القلب أو الدماغ قلت لها: قفي». ولكنه انصرف عن التعبير بالقلب أو الدماغ هذا التعبير الحقيقي الصريح إلى ما هو أملح وأوقع في النفس وهو «موطن الأسرار»، لأن القلب أو الدماغ يفهم منه أنه مكان السر وغيره من الصفات. فالكناية «بموطن الأسرار» عن القلب أو الدماغ كناية عن «موصوف»، لأن كليهما يوصف بأنه موطن الأسرار.

٣ - وقال شاعر في رثاء من مات بعلة في صدره:

ودبّت له في موطن الحلم علّة ... لها كالصّلال الرقش شرّ دبيب (١)

فلفظ الكناية هنا هو «موطن الحلم»، ومن عادة العرب أن ينسبوا الحلم إلى الصدر، فيقولون: فلان فسيح الصدر، أو فلان لا يتسع صدره لمثل هذا، أي لا يحلم على مثل هذا.

ولو شاء الشاعر أن يعبر عن معناه هنا تعبيرا حقيقيا صريحا لقال:

«ودبت له في الصدر علة»، ولكنه لم يشأ ذلك وآثر التعبير عنه كنائيا


(١) الصلال بكسر الصاد: ضرب من الحيات صغير أسود لا نجاة من لدغته، والرقش:
جمع رقشاء، وهي التي فيها نقط سوداء في بيضاء، والحية الرقشاء من أشد الحيات أذى.

<<  <   >  >>