٢ - ومن أمثلة كناية النسبة أيضا قول أبي نواس مادحا:
فما جازه جود ولا حل دونه ... ولكن يسير الجود حيث يسير
فالشاعر هنا يريد أن ينسب إلى ممدوحه الكرم أو أن يثبت له هذه الصفة، ولكنه بدل أن ينسب إليه الكرم بصريح اللفظ فيقول:«هو كريم» كنى عن نسبة الكرم إليه بقوله: «يسير الجود حيث يسير»، لأنه يلزم من ذلك اتصافه به.
وشتان بين الصورتين في الجمال والتأثير: الصورة الصريحة التي نرى فيها الممدوح كريما وحسب، والصورة المقنعة المدعاة التي يرينا فيها الشاعر الكرم إنسانا يرافق الممدوح ويلازمه ويسير معه حيث سار.
٣ - ومن أمثلتها كذلك قول الشاعر:
اليمن يتبع ظله ... والمجد يمشي في ركابه
فالشاعر في هذا البيت بدل أن يصف الممدوح بأنه ميمون الطلعة، قال إن اليمن يتبعه أينما سار، واتباع اليمن ظله يستلزم نسبته إليه.
فكناية النسبة كما يتضح من الأمثلة السابقة تتمثل في العدول عن نسبة الصفة إلى الموصوف مباشرة ونسبتها
إلى ما له اتصال به. وأظهر علامة لهذه الكناية أن يصرح فيها بالصفة كما رأينا في الأمثلة السابقة، أو بما يستلزم الصفة كقول شاعر معاصر:
بين برديك يا صبية كنز ... من نقاء معطر معشوق
وبعينيك يا صبية شجو ... ساهم اللمح مستطار البريق
ففي قوله:«بين برديك يا صبية كنز من نقاء» كناية عن نسبة «الطهارة» للمخاطبة بما يستلزم هذه الصفة وهو «كنز من نقاء». أما