للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الدلالة العقلية أو الالتزامية إمّا أن تكون من باب دلالة اللازم على الملزوم كدلالة كثرة الرماد على الكرم في الكناية، وإما من باب دلالة الملزوم على اللازم، أي دلالة المسبب على السبب كقوله تعالى:

وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً فالرزق لا ينزل من السماء ولكن الذي ينزل مطر ينشأ عنه النبات الذي منه طعامنا ورزقنا، فالرزق هو المسبب أو الملزوم الذي دلّ على السبب أو اللازم، وذلك على نحو ما هو معروف في المجاز المرسل.

ثمّ يخلص من هذه المقدمة التي يغلب عليها أسلوب المنطق إلى أن علم البيان يتناول التشبيه والمجاز والكناية.

ومباحث التشبيه عند السكاكي تتناول أربعة موضوعات هي:

طرفاه، ووجهه، والغرض منه، وأحواله في القرب والغرابة، والقبول والرفض.

فطرفا التشبيه إما أن يدركا بالحس كتشبيه الوجه بالقمر، وإما أن يدركا بالخيال كتشبيه شقائق النعمان (١) على أغصانها بأعلام ياقوت على رماح من زبرجد. فالتشبيه الخيالي هو المعدوم الذي فرض مجتمعا من أمور كل واحد منها يدرك بالحس، فإنّ الأعلام الياقوتية المنشورة على الرماح الزبرجدية مما لا يدرك بالحس، لأنّه لا وجود لها في عالم الواقع، ولكن المادة التي تركب منها التشبيه، أي الأعلام والياقوت والرماح والزبرجد كل منها محسوس بالبصر. وإما أن يدرك طرفا التشبيه بالوهم كما إذا قدرنا


(١) شقائق النعمان: نور وزهر أحمر، أضيف إلى النعمان بن المنذر آخر ملوك الحيرة، لأنّه خرج مرة إلى ظاهر الحيرة فرأى هذا النوع من الزهر، فقال: ما أحسنه! احموه، فكان أول من حماه فنسب إليه.

<<  <   >  >>