وأخيرا ينتقل السكاكي إلى الكناية فيعرّفها بأنّها:«ترك التصريح بذكر الشيء إلى ذكر ما يلزمه، لينتقل من المذكور إلى المتروك». ويلاحظ أنّ المتروك قد يكون قريبا ظاهرا، وقد يكون بعيدا خفيا، ولهذا قال إنّ الكتابة تتفاوت من تعريض إلى تلويح، ورمز، وإيحاء وإشارة.
ثمّ يعرض إلى التفريق بين الكناية والمجاز من وجهين: أحدهما أنّ الكتابة لا تنافي إرادة الحقيقة بلفظها، فالخنساء عند ما ترثي أخاها صخرا «بأنّه كثير الرماد» كناية عن جوده وكرمه، فإنّ هذه الكناية لا تمنع من إرادة المعنى الحقيقي بأنّ أخاها صخرا كثير الرماد حقيقة ومن غير تأويل.
أمّا المجاز فيمنع من إرادة المعنى الحقيقي، فلا يجوز أن يكون المراد من قولك:«كلمت أسدا» الأسد الحقيقي. والوجه الثاني أنّ الكناية بنيت على الانتقال من اللازم إلى الملزوم على حين بني المجاز على الانتقال من الملزوم
إلى اللازم.
ويقسم السكاكي الكناية بحسب المراد منها إلى ثلاثة أقسام: كناية عن صفة، وكناية عن موصوف، وكناية عن نسبة.
تلك خلاصة لما أورده السكاكي في كتابه «مفتاح العلوم» عن مباحث علم البيان التي أكثر فيها من التقسيمات والتفريعات، وخرج بها من جو البلاغة الواضحة السمحاء إلى ميدان المنطق المعقد الجاف.
...
وعلى طريق تتبعنا لنشأة علم البيان وتطوره نلتقي بعد السكاكي