للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحسي، لاشتراك الحس والخيال في أن المدرك بهما صورة لا معنى، وذلك كقول الشاعر:

وكأنّ محمرّ الشقي ... ق إذا تصوّب أو تصعّد

أعلام ياقوت نشر ... ن على رماح من زبرجد (١)

فالهيئة التركيبية التي قصد التشبيه بها هنا، وهي نشر أعلام مخلوقة من الياقوت على رماح مخلوقة من الزبرجد لم تشاهد قط لعدم وجودها في عالم الحس والواقع، ولكن العناصر التي تألفت منها هذه الصورة المتخيلة، من الأعلام والياقوت والرماح والزبرجد موجودة في عالم الواقع وتدرك بالحس.

ويدخل البلاغيون في التشبيه العقلي ما يسمونه بالتشبيه «الوهميّ»، وهو ما ليس مدركا بإحدى الحواس الخمس الظاهرة، ولكنه لو وجد فأدرك، لكان مدركا بها، كما في قوله تعالى في شجرة الزقوم التي تخرج في أصل الجحيم: «طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ»، وكقول امرئ القيس:

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أعوال؟

فالشياطين (٢) والغول وأنيابها مما لا يدرك بإحدى الحواس الخمس الظاهرة، ولكنها لو وجدت فأدركت لكان إدراكها عن طريق حاسة البصر.


(١) الشقيق: ورد أحمر في وسطه سواد ينبت في الجبال، وتصوب: مال إلى أسفل، وتصعد:
مال إلى أعلى.
(٢) من عادة العرب أن يشبهوا كل قبيح الصورة بالشيطان لأن له صورة بشعة في توهمهم، وأن يشبهوا حسن الصورة بالملك بفتح اللام، لحسن صورته في توهمهم.

<<  <   >  >>