للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن وجه الشبه في هذا التشبيه أو الجامع بين الطرفين هو الهيئة الحاصلة من حصول أشياء مشرقة بيض في جوانب شيء مظلم أسود.

فهذه الهيئة غير موجودة في المشبه به إلا على طريق التخييل، وذلك أنه لما كانت البدعة والضلالة وكل ما هو جهل يجعل صاحبها في حكم من يمشي في الظلمة فلا يهتدي إلى الطريق ولا يفصل الشيء من غيره- شبهت بالظلمة، ولزم على عكس ذلك أن تشبّه السنة والهدى وكلّ ما هو علم بالنور.

وأصل ذلك قوله تعالى: يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ،* وشاع ذلك حتى وصف الصنف الأول بالسواد، كما في قول القائل:

«شاهدت سواد الكفر من جبين فلان»، وحتى وصف الصنف الثاني بالبياض، كما في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أتيتكم بالحنيفية البيضاء»؛ وذلك لتخيل أن السنن ونحوها من الجنس الذي هو إشراق أو ابيضاض في العين، وأن البدعة ونحوها على خلاف ذلك.

ولهذا صار تشبيه النجوم بين الدجى بالسنن بين البدع، كتشبيه النجوم في الظلام ببياض الشيب في سواد الشباب، أو بالأزهار مؤتلقة بين النبات الشديد الخضرة. فالتأويل فيه أنه تخيّل ما لا لون له ذا لون.

ومن التشبيه التخييلي قول ابن بابك:

وأرض كأخلاق الكرام قطعتها ... وقد كحل الليل السماك فأبصرا (١)

فإن الأخلاق لما كانت توصف بالسعة والضيق تشبيها لها بالأماكن الواسعة والضيقة، تخيّل أخلاق الكرام شيئا له

سعة، وجعله أصلا فيها، فشبّه الأرض بالسعة.


(١) السماك: أحد السماكين أو النجمين النيرين: الأعزل، والسماك الرامح.

<<  <   >  >>