البلاغة العربية الأول، ومعبّد الطريق أمام من أتى بعده من رجالها.
ثمّ جاء من بعده متأثرا خطاه وإن لم يكن معتزليا (١) مثله ابن قتيبة الدينوري «٢٧٦ هـ» ففي كتابه «تأويل مشكل القرآن» يتحدّث أولا عن إعجاز القرآن كرد على الطاعنين في أسلوبه، جهلا منهم بأساليب البيان العربي، ثمّ ينتقل من ذلك إلى الحديث المبوب عن موضوعات «علم البيان» من حقيقة ومجاز وتشبيه واستعارة وكناية.
وبعد ابن قتيبة يأتي معاصره أبو العباس المبرد «٢٨٥ هـ» بكتابه «الكامل» الذي يجمع بين الشعر والنثر، ويعدّ من كتب اللغة الممهدة للمعاجم بما تضمنه من تفسير كل ما يقع في نصوصه من كلام غريب أو معنى مغلق.
ومع أنّ «الكامل» في الأصل كتاب لغة فإنّ المبرد تعرض فيه عند شرح النصوص الأدبية لبعض موضوعات البيان مثل المجاز والاستعارة والكناية والتشبيه الذي توسع في بحثه وقسمه إلى أربعة أقسام: تشبيه مفرط، وتشبيه مصيب، وتشبيه مقارب، وتشبيه بعيد. وقد استوحى هذا التقسيم مما كتبه الجاحظ عن التشبيه دون أن يضيف هو إليه جديدا من عنده.
...
وأوّل كتاب يلقانا من كتب علماء الكلام الذين اهتموا بالمباحث البلاغية من أجل تفسير الإعجاز البلاغي للقرآن هو كتاب «النكت في
(١) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكوفي المولد، وسمي الدينوري لأنّه كان قاضي الدينور. وكان لأهل السنة مثل الجاحظ للمعتزلة، فإنّه خطيب أهل السنة، كما كان الحاحظ خطيب المعتزلة.