وبيان ذلك أن الكاتب أو الشاعر قد يلجأ عند التعبير عن بعض أفكاره إلى أسلوب يوحي بالتشبيه من غير أن يصرّح به في صورة من صوره المعروفة.
ومن بواعث ذلك التفنّن في أساليب التعبير، والنزوع إلى الابتكار والتجديد، وإقامة البرهان على الحكم المراد إسناده إلى المشبه، والرغبة في إخفاء معالم التشبيه، لأنه كلما خفي ودقّ كان أبلغ في النفس.
ولنأخذ مثالا لذلك، وهو قول أبي فراس الحمداني:
سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم ... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
فهو هنا يريد أن يقول: إن قومه سيذكرونه عند اشتداد الخطوب والأهوال عليهم ويطلبونه فلا يجدونه، ولا عجب في ذلك لأن البدر يفتقد ويطلب عند اشتداد الظلام.
فهذا الكلام يوحي بأنه تضمن تشبيها غير مصرّح به؛ فالشاعر يشبّه ضمنا حاله وقد ذكره قومه وطلبوه فلم يجدوه عند ما ألّمت بهم الخطوب بحال البدر يطلب عند اشتداد الظلام. فهو لم يصرّح بهذا التشبيه وإنما أورده في جملة مستقلة وضمنه هذا المعنى في صورة برهان.
ولنأخذ مثالا آخر وهو قول البحتري:
ضحوك إلى الأبطال وهو يروعهم ... وللسيف حدّ حين يسطو ورونق
فممدوح البحتري يلقى الشجعان بوجه ضاحك وهو يروعهم ويفزعهم في الوقت ذاته ببأسه وسطوته، وكذلك السيف له عند القتال والضرب رونق وفتك. وهذا كلام يشمّ منه رائحة التشبيه الضمني.