للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخامس عشر: ظاهر الحديث تغاير الإسلام والإيمان، لأنَّ جبريل سأل عنهما سؤالين، وأُجيب بِجَوابَيْن، وفَسر له الإسلام بأعمال الجوارح كالصلاة ونحوها، والإيمان بعمل القلب، وقد يُتَوَسَّعُ فيُطْلق الإيمان علي الإسلام كما في حديث وفدِ عبد القيس، فَإِنَّهُ أَمَرهم بالإيمان ثم قال: "أتَدْرُونَ مَا الإيمَانُ"؟ قالوا: اللهُ ورَسُوله أعلم. قال: "شَهادَةُ أَنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأن محمدًا رسولُ الله" (١).

ووجهُ ذلك: أنه عنه يكون غالبًا، وهو مُظْهِره، وقد قال -عليه أفضل الصلاة والسلام-: "الإيمَانُ بِضْعٌ وسَبْعُونَ شُعْبَةً: أَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عن الطَّريق، وأَعْلاها شَهادة أنْ لا إلهَ إلَّا الله" (٢). وهذا أَوْلى مِنْ دَعْوَى اضطراب مَتْنِهِ (٣).

حيث قال: "آمرهم بأربع" ولم يأمرهم إلَّا بالإيمان وحدَهُ، وفسَّره بخمس، وفي رواية: "شهادة أن لا إله إلَّا الله" وعَقَدَ واحدة، وليسَ فيه ذِكرُ الحجِّ، بخلاف "حديث جبريل" ..

وقد أطلَق الإسلام يُريد أنه سَمَّى الإسلام والإيمان، قال تعالي: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: ١٩] وقد وصفَ الله تعالى آل لوطٍ مرَّةً بالإسلام، ومرَّةً بالإيمان، فقال {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦)} [الذريات]، ووجههُ: أَنَّهُ أكمل. نعم؛ أثبتَ في حقِّ الأعراب الإسلام فقط حيث قال: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] (٤).


(١) رواه البخاري (١/ ٢٠ رقم ٥٣)، ومسلم (١/ ٤٦ رقم ١٧) عن ابن عباس - رضي الله عنه -.
(٢) رواه مسلم (١/ ٦٣ رقم ٣٥) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، والحديث أصله في "البخاري" (١/ ١١ رقم ٩) وقد رواه "الجماعة".
(٣) كما زعمَ ذلكَ الطوفي في كتابه "التعيين" (٥٦ - ٦٠)! وانظر في الجواب عليه: "المفهم" (١/ ١٧٤ - ١٧٥)، و"فتح الباري" (١/ ١٦١ - ١٦٣).
(٤) اختلف السلف وأئمة الإسلام في مسألة "العلاقة بين مسمى الإسلام والإيمان"، وتنحصر مذاهبهم في الأقوال التالية: =

<<  <   >  >>