للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثامنة (١): فَسَّرَ -عليه الصلاة والسَّلام- الإحسان بالمُرَاقَبَة كَمَا سَلَفَ، فالعَبْدُ يُشَاهِدُ رَبَّهُ بِعيْنِ إيمانه، وأَنَّهُ مُطَّلِعٌ عليه في جميع أحواله؛ فلا ينحرف، ويتأدَّبُ.

التاسعة: العِبادة إمَّا: قلبيَّة -كالإيمان-، أو بدَنِيَّة -كالإسلام-، ولَمَّا كان الإحسان: هو المُراقبة بالإخلاص فيهما؛ فلا يُظْهِر الإيمانَ رياءً أو خوفًا فيكون منافقًا، ولا يُظهِر أعمال الإسلام لغير الله، فيكون مُرائيًا مُشرِكًا، بل يرى أنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ عليه يَرَى جميعَ حاله، فالإحسان شرطٌ فيهما، أو كالشَّرط إذْ بدون الإخلاص والمُراقَبة فيهما لا يُقبَلان، قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ} [البقرة: ١١٢]، {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [لقمان: ٢٢]، {ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} [المائدة: ٩٣] (٢).

العاشرة: حُكِيَ عن بعض شُيُوخ الطَّريق أنه ذَكَرَ هذا الكلام يومًا، فقال: "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه". ثمَّ وقف! وهو إشارةٌ صُوفيَّةٌ؛ أي: أنَّكَ إذا أفنيتَ نفسَكَ فَلَم ترها شيئًا شاهَدْتَ ربَّكَ!! لأنها حِجَابٌ دونَهُ، فإذا ألقَى الحِجاب شاهَدَ الجَناب.

ويُشبهُ هذا ما حُكِيَ دُونَهُ عن بعضهم أنه قال: رأيتُ رَبَّ العِزَّة في المَنَام


(١) السابعة مضت ص (١٢٤).
(٢) الإحسان ليس شرطًا في الإيمان والإسلام؛ لأن معنى هذا أن الإحسان إذا تخفَفَ تخَلَّفَ الإسلام والإيمان وهذا لا يقول به أحد! وإنما: إن تخلف الإحسان خرج إلى دائرة الإيمان، فإن ارتكب الكبائر خرج من الإيمان إلى آخِر دائِرة وهي الإسلام. نعم؛ الإحسان الذي أراده المؤلف هو: الإخلاص، وهو شرط في قبول العمل، فلا يقبل الله هن الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه، صوابًا على سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله -تبارك وتعالى-: أَنَا أغنى الشُرَكَاءِ عَنِ الشَركِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أشرَكَ فيه مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِركَهُ". رواه مسلم [٤/ ٢٢٨٩ رقم ٢٩٨٥].

<<  <   >  >>