للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رابعها: هذا الحديث يرجِعُ إلى قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: ١٠٣]، {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الأنعام: ١٥٩] الآية. وهو دالٌّ على وُجُوبِ أَمْرَيْن:

تركُ المَنْهِيَّات، والأمر بالاجتِنَاب هو للوجُوب، وفعل المستطاع من الأمور، لقوله: "فأْتُوا" أي: افْعَلُوا منه ما اسْتَطَعْتُم، والأمْر بفعله للوجوب، قاك تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧].

والحديث مُخَصِّصٌ للآيةِ، أو مُبيِّنٌ لها، أو أنَّ الآيةَ خُضَّت بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]، وهي مُفَسِّرَةٌ لقوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: ١٠٢] أو ناسِخَةٌ لها.

و {حَقَّ تُقَاتِهِ} هو: امْتِثالُ أوامِرِهِ واجْتِنابُ مَنَاهِيهِ.

ولم يأمرنا تعالى إلَّا بالمُسْتَطَاع، قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨]، وقال في الحجِّ: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧]، وهو رُخْصَةٌ مِنْهُ علينا بذلك، والاستطاعة: الإطاقة.

خامسها: هذا الحديث أحدُ قواعِدِ الإسلام المُهِمَّةِ، ومِمَّا أوتيه -عليه أفضلُ الصلاة والسلام- مِنْ جَوَامِعِ الكلمِ الجَمَّةِ؛ فإنَّهُ يدخُلُ فيه مَا لا يُحْصَى مِنَ الأحكام: كما إذا وَجَدَ بعض ما يكفيه لطَهَارتِهِ فإنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ ويتيمم للباقي، وكَمَا إذا قدر علي بعضِ الفاتِحَة، أو بعضِ السُّترة، أو بعض الفطرة في الزَّكاة، وغير ذلكَ مِمَّا لا يُحْصَى مِمَّا أوضَحْنَاهُ في "الأشباه والنظائر" (١) ولله الحمدُ.


(١) انظر: "الأشباه والنَّظائِر في قواعد الفقه" تأليفه (١/ ١٧٤ - ١٨٢).

<<  <   >  >>