خلف سبق وسلف، مأخذه كما سلف من: إن كان النَّهيُ لمعنى خارج عن المنهي؛ هل يقتضي الفساد أم لا؟ أما الذِّمي فبيع المسلم عليه محتمل جوازه لنقص حرمته، والذمي لا يؤالف، ويحتمل حرمته للإيذاء، وهو أيضًا في ذِمَّتِنا وعكسه؛ فلا يجوز له ولا يبعد أن يُؤَدَّب عليه لافتياتهِ واستخفافهِ.
ومثال ذلك: أن يأمر البائع بالفسخ ليبيعه مثله، وفي معناه: الشراء على الشراء، وضرره على المشتري، والأول على البائع، والسوم على السوم، والخِطبة على الخِطبة كلُّ ذلك مَنْهِيّ عنه، وكذا كل ما في معناه مما ينفر القلوب ويورث التباغض، إلَّا أنْ يرضَى مَن لهُ الحَقُّ فيجوزُ؛ لأنهُ حقه فله تركه ولزوال علة التنافر.
السادسة: قوله: "وكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا" هو شبيهٌ بالتَّعليل لِمَا سَلَفَ، كأنَّهُ قال: إذا تركتم ذلك كنتم إخوانا وإذا لَمْ تَكُونُوا كذلك كنتم أعداءً؛ فَتَعَامَلُوا وتعاشَرُوا معاملةَ الإخوةِ، ومعاشرتهم في المودَّةِ والرِّفقِ والشَّفَقَةِ والملاطفة والتعاون على الخير مع صفاءِ القلوب، والنصيحة على كل حال.
و"الإخوان" و "الإخوة" من غير نَسَبٍ كالأخُوَّة من النسب، ومعنى "وكونوا عباد الله إخوانًا": اكتسبوا ما تصيرون به إخوانًا، كما سبق ذكره وغيره من فِعلِ المُؤَلِّفَات وتركِ المُنفِّرَات.
وقوله:"عباد الله" أي: يا عباد الله، حقكم أن تطيعوه بأن تكونوا إخوانًا، ووجه طاعة الله في كونِهم إخوانًا: التعاضد على إقامَةِ دِينهِ وإِظهارِ شِعَارهِ؛ إذ بدون ائتلاف القلوب لا يتم ذلك، أَلَا ترى قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}[الأنفال: ٦٢].