و"القوم" قد سلف الخِلافُ فيه قريبًا، فإن قلنا: هم الذكور والإناث فلا إشكال، وإن قلنا: الرِّجال خاصة أُلحِقَ النساءُ بهم في ذلك قياسًا، و"قوم" هنا نَكِرة، وهي شائعة في جنسها، فكأَنَهُ يقول: أي قوم قعدوا يذكرون الله؛ كان لهم ذلك، مذنبين كانوا أو مطيعين.
سابعها: فيه دلالة على فضيلة الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال مالك -رحمه الله-: "يُكرَه". وتأوَّلهُ بعض أصحابه (١).
ويلحق بالمسجد في هذه الفضيلة الاجتماع في مدرسة ورياط ونحوهما، ويدل عليه الحديث الآخر، فإنه مطلق يتناول جميع المواضع، ويكون التقييد في الأول خرج على الغالب؛ لا سيما في ذلك الزمان، ولا يكون له مفهوم يعمل به، وخُصَّت به لشرفها، لكن الأرض كلها مسجد غير أن العبادة في الموضع المعد لها أفضل.
وفيه أن الاجتماع في بيوت الله لمذاكرة الكتاب ومدارسته يجازى عليه بأسباب:
أحدهما: نُزُول السَّكِينة عليهم -وهي الطمأنينة كما سلفَ، وبذكر الله تطمئن القلوب، والمراد بها: تطمين الإيمان حتى يُفضِي إلى الرضوان في جوار الرحمن.
ثانيها: غشيان الرَّحمة لهم، لأنَّ ذكرَ الله إحسان، والرحمة إحسان، و {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلا الْإِحْسَانُ (٦٠)} [الرحمن: ٦٠].
(١) الذي أَنكَرَهُ الإمام مالك -رحمه الله- هو الذكر الجماعي: يقرأ القوم جميعًا سورة واحدة حتى يختموها، أو يذكرون الله بصوت جماعي. انظر: "إنارَةُ الفِكر بما هو حق في كيفية الذِّكْر" للبقاعي (٣٦) وما بعدها.