وتبدأ من هناك عملية امتصاصه، ليذهب إلى الأوردة والجيوب الوريدية الموجودة في القحفة والجمجمة، كما يسير هذا السائل في الغشاء المحيط بالنخاع الشوكي (الحبل الشوكي)، ووظيفته حماية الدماغ والنخاع الشوكي من الهزات والارتطامات والصدمات.
ويفرز الدماغ ٥٠٠ مليلتر (نصف لتر) يومياً من هذا السائل، ويتم امتصاصه كذلك يوميًا للحفاظ على سلامة الدماغ، ولا يصل شيء من هذا السائل إلى الأنف إلا في حالة كسر في قاع الجمجمة، وهي حالة خطيرة قد تستدعي تدخلًا جراحيًا، وليس لبطينات الدماغ ولا للسائل الدماغي الشوكي أي علاقة بالجهاز الهضمي.
ومن هنا نعلم أنَّ البلغم الموجود في الأنف أو البلعوم الأنفي ليس من الدماغ كما كان يعتقده القدماء، وبالتالي فإنَّ كل ما ذكره الفقهاء المتقدمون-رحمهم الله- من اتصال الدماغ بالجهاز الهضمي أثبت الطب الحديث عدم صحته، فالمأمومة ومداواتها وبطون الدماغ كلها بعيدة كل البعد عن الجوف المقصود في الصيام (١).
(١) انظر: إسحاق أزيموف، الدماغ البشري طاقاته ووظائفه، ترجمة: عبده سعيد، (القاهرة، مكتبة الأنجلو مصرية، د. ط،١٩٦٩ م) ص ١٨٩ - ٢١٠، الخطيب، عماد، وآخرون، دليل المصطلحات الطبية، مرجع سابق، ص ٣٠، والبار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، العدد العاشر، ج ٢، ص ٢١٠ - ٢١١، كما أفادني الدكتور محمد البار بتلك المعلومات وأكدها لي في حوار أجريته معه في عيادته في مدينة جدة. وتوسع الباحث في بيان أنه لا علاقة للدماغ بالجوف المؤثر في الصيام؛ لأنّ الفقهاء المتقدمين –رحمهم الله- كانوا يعتقدون أن الدماغ جوف مؤثر، وأنّ له منفذًا إلى المعدة، وهو ما بيَّن الطب المعاصر عدم صحته.