لما كانت النوازل المعاصرة يحيط بها قدر من التعقيد، لم يكن النظر فيها متاحاً لكل من آنس من نفسه ثقافة شرعية؛ بل إنّ النظر فيها يتطلب نظراً فقهيا دقيقاً، يجمع بين سلامة التصور، وامتلاك آلة النظر الفقهي؛ ولذا استلزم الأمر أن يُضبط بشروط ومحددات للنظر فيها. وهذه الشروط التي لابد منها هي:
أولا: العلم:
النظر في النوازل أمر يحتاج إلى اجتهاد؛ لذا كان شرط العلم والقدرة على الاجتهاد فيها شرطاً أساسياً، وذلك بأن يكون لدى الناظر في النازلة من العلم الشرعي ما يتمكن معه من الاجتهاد في النازلة، وقد نقل ابن الصلاح عن الإمام الجويني قوله:«والقول الوجيز في ذلك: أنَّ المفتي هو المتمكن من إدراك أحكام الوقائع على يسر من غير معاناة تَعَلّم»(١). ولا يلزم أن يصل مرتبة المجتهد المطلق، فإنَّ الاجتهاد يتجزأ.
وأما ما اشترطه الأصوليون في المفتي أن يكون مجتهداً مطلقاً فإنما مرادهم المفتي المطلق في جميع أبواب الشرع.
(١) انظر: ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوي، أدب المفتي والمستفتي، تحقيق: د. موفق عبد الله عبد القادر، (بيروت: مكتبة العلوم والحكم, الطبعة الأولى، ١٤٠٧ هـ) ص ٢٧.