٢ - أثر ابن عباس - رضي الله عنهما - لا يدل على التوسع بمفهوم الجوف إذ الخطاب الشرعي متوجه إلى الغالب، والنادر لا حكم له؛ بل إن قلنا إنّ أثر ابن عباس مرفوع حكماً فيكون فهماً لآية الصيام:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة:١٨٧].
فالخطاب العام يتوجه تفسيره بالمعنى الشرعي إن كان له معنى شرعي، وأثر ابن عباس - رضي الله عنهما - له معنى شرعي، وهو ما دلت عليه الآية، وعليه يترجح هذا المعنى على غيره، وإن كان غيره قد يقع، وهذا أقره الأصوليون ومنهم الإمام السبكي حيث يقول:«والخطاب الشرعي المجمل يكون من جهة أنّ الشرعي أرجح، وأغلب من غيره، وإن كان غيره قد يقع، فالحكم للغالب»(١).
٣ - أنّ استدلال الشافعية بعموم ما دل عليه أثر ابن عباس - رضي الله عنهما - ينتقض عليهم بصور، منها: الداخل من مسام الجلد؛ حيث أجمعوا على عدم فساد الصوم بما يدخل منها، وكذا نفى بعضهم فساد الصوم بما يدخل الإحليل ما لم يصل المعدة، مما يدل على أن العموم غير مقصود، فإن أخرجوا هذه الصورة لاعتبارات فغيرها يخرج باعتبارات أخرى، وعليه لا يُسلم لهم الاستدلال بالأثر.
وبهذا يتبن أن المراد بأثر ابن عباس - رضي الله عنهما -: «الصوم مما دخل»، أي دخل من
(١) السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، (لبنان، بيروت: عالم الكتب، الطبعة الأولى ١٩٩٩ م - ١٤١٩ هـ) ج ٣، ص ٤٠٥. (بتصرف).