كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ
[٢٢ \ ٤] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [٣٧ \ ٢٣] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ [٤ \ ١٦٨] ، كَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ أَيْضًا إِطْلَاقُ الْإِمَامِ عَلَى الدَّاعِي إِلَى الشَّرِّ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ الْآيَةَ [٢٨ \ ٤١] .
الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ، أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْذِرٌ، وَأَنَا هَادِي كُلِّ قَوْمٍ، وَيُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَوْلُهُ: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ يَعْنِي بِهِ نَفْسَهُ جَلَّ وَعَلَا، وَنَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [٣٥ \ ١٤] ، يَعْنِي نَفْسَهُ، كَمَا قَالَهُ قَتَادَةُ، وَنَظِيرُهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ قَتَادَةَ بْنِ سَلَمَةَ الْحَنَفِيِّ:
وَلَئِنْ بَقِيتُ لَأَرْحَلَنَّ بِغَزْوَةٍ ... تَحْوِي الْغَنَائِمَ أَوْ يَمُوتُ كَرِيمُ
يَعْنِي نَفْسَهُ.
وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ هَذَا الْمَبْحَثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي سُورَةِ «الْقَارِعَةِ» ، وَتَحْرِيرُ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ مُنْذِرٌ وَأَنَا هَادِي كُلِّ قَوْمٍ سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ وَالْهُدَى فِي عِلْمِي، لِدَلَالَةِ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى هَدَى قَوْمًا وَأَضَلَّ آخَرِينَ، عَلَى وَفْقِ مَا سَبَقَ بِهِ الْعِلْمُ الْأَزَلِيُّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [١٦ \ ٣٧] .
الثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَى وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ أَيْ قَائِدٌ، وَالْقَائِدُ الْإِمَامُ، وَالْإِمَامُ الْعَمَلُ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالْمَعْنَى: وَلِكُلِّ قَوْمٍ عَمَلٌ يَهْدِيهِمْ إِلَى مَا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَيَدُلُّ لِمَعْنَى هَذَا الْوَجْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: «هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ» [١٠ \ ٣٠] ، عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا بِتَائَيْنِ بِمَعْنَى تَتْبَعُ كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute