للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ التِّينِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ.

تَقَدَّمَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [٩٠] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.

هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تُوهِمُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُنْكِرُ أَنَّ رَبَّهُ خَلَقَهُ، لِمَا تَقَرَّرَ فِي فَنِّ الْمَعَانِي مِنْ أَنَّ خَالِيَ الذِّهْنِ مِنَ الْمُتَرَدِّدِ، وَالْإِنْكَارُ لَا يُؤَكَّدُ لَهُ الْكَلَامُ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ ابْتِدَائِيًّا، وَالْمُتَرَدِّدُ يَحْسُنُ التَّوْكِيدُ لَهُ بِمُؤَكِّدٍ وَاحِدٍ، وَيُسَمَّى طَلَبِيًّا، وَالْمُنْكِرُ يَجِبُ التَّوْكِيدُ لَهُ بِحَسَبِ إِنْكَارِهِ، وَيُسَمَّى إِنْكَارِيًّا.

وَاللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَكَّدَ إِخْبَارَهُ بِأَنَّهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، بِأَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، وَبِاللَّامِ، وَبِقَدْ، فَهِيَ سِتَّةُ تَأْكِيدَاتٍ، وَهَذَا التَّوْكِيدُ يُوهِمُ أَنَّ الْإِنْسَانَ مُنْكِرٌ، لِأَنَّ رَبَّهُ خَلَقَهُ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخْرَى صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ خَالِقُهُمْ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [٤٣ \ ٨٧] .

وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: هُوَ مَا حَرَّرَهُ عُلَمَاءُ الْبَلَاغَةِ مِنْ أَنَّ الْمُقِرَّ، إِذَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ أَمَارَةُ الْإِنْكَارِ، جُعِلَ كَالْمُنْكِرِ، فَأُكِّدَ لَهُ الْخَبَرُ، كَقَوْلِ حَجْلِ بْنِ نَضْلَةَ:

جَاءَ شَقِيقٌ عَارِضًا رُمْحَهُ ... أَنَّ بَنِي عَمِّكَ فِيهِمْ رِمَاحْ

فَشَقِيقٌ لَا يُنْكِرُ أَنَّ فِي بَنِي عَمِّهِ رِمَاحًا، وَلَكِنَّ مَجِيئَهُ عَارِضًا رُمْحَهُ، أَيْ جَاعِلًا عَرْضَهُ جِهَتَهُمْ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتِ إِمَارَةٍ، أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنْ لَا رُمْحَ فِيهِمْ، فَأَكَّدَ لَهُ الْخَبَرَ،

<<  <   >  >>