للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الشُّورَى

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ الْآيَةَ.

هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَنْظُرُونَ بِعُيُونٍ خَفِيَّةٍ ضَعِيفَةِ النَّظَرِ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَةٌ أُخْرَى يُتَوَهَّمُ مِنْهَا خِلَافُ ذَلِكَ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [٥٠ \ ٢٢] .

وَالْجَوَابُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِتْقَانِ، مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِحِدَّةِ الْبَصَرِ: الْعِلْمُ وَقُوَّةُ الْمَعْرِفَةِ، قَالَ قُطْرُبٌ: «فَبَصَرُكَ» أَيْ عِلْمُكَ، وَمَعْرِفَتُكَ بِهَا قَوِيَّةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: بَصُرَ بِكَذَا أَيْ عَلِمَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ رُؤْيَةُ الْعَيْنِ، قَالَ الْفَارِسِيَّ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ.

وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ أَيْ تُدْرِكُ بِهِ مَا عَمِيتَ عَنْهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا الْآيَةَ [٣٢ \ ١٢] ، وَقَوْلُهُ: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا الْآيَةَ [١٨ \ ٥٣] ، وَقَوْلُهُ: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [١٩ \ ٣٨] .

وَدَلَالَةُ الْقُرْءَانِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ ظَاهِرَةٌ، فَلَعَلَّهُ هُوَ الْأَرْجَحُ، وَإِنِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْإِتْقَانِ عَلَى الْأَوَّلِ.

<<  <   >  >>