بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الْفَتْحِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ.
لَا يَخْفَى مَا يَسْبِقُ إِلَى الذِّهْنِ مِنْ تَنَافِي هَذِهِ الْعِلَّةِ وَمَعْلُولِهَا، لِأَنَّ فَتْحَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ عِلَّةً لِغُفْرَانِهِ لَهُ.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ لِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَعْنَى إِنَّ فَتْحَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ يَدُلُّ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ عَلَى شُكْرِ النَّبِيِّ لِنِعْمَةِ الْفَتْحِ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ بِسَبَبِ شُكْرِهِ بِأَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ عَلَى تِلْكَ النِّعْمَةِ، فَكَأَنَّ شُكْرَ النَّبِيِّ لَازِمٌ لِنِعْمَةِ الْفَتْحِ، وَالْغُفْرَانُ مُرَتَّبٌ عَلَى ذَلِكَ اللَّازِمِ.
أَمَّا دَلَالَةُ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [١١٠ - ٣] .
فَصَرَّحَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ تَسْبِيحَهُ بِحَمْدِ رَبِّهِ وَاسْتِغْفَارَهُ لِرَبِّهِ شُكْرًا عَلَى نِعْمَةِ الْفَتْحِ سَبَبٌ لِغُفْرَانِ ذُنُوبِهِ، لِأَنَّهُ رَتَّبَ تَسْبِيحَهُ بِحَمْدِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ بِالْفَاءِ عَلَى مَجِيءِ الْفَتْحِ وَالنَّصْرِ تَرْتِيبَ الْمَعْلُولِ عَلَى عِلَّتِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الشُّكْرَ سَبَبُ الْغُفْرَانِ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا.
وَأَمَّا دَلَالَةُ السُّنَّةِ فَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لَا تَجْهَدْ نَفْسَكَ بِالْعَمَلِ، فَإِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا.
فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اجْتِهَادَهُ فِي الْعَمَلِ لِشُكْرِ تِلْكَ النِّعْمَةِ وَتَرَتُّبَ الْغُفْرَانِ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الْعَمَلِ لَا خَفَاءَ بِهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّا فَتَحْنَا يُفْهَمُ مِنْهُ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ الْجِهَادُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute