بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ كَافِرًا كَانَ أَوْ مُسْلِمًا يُجَازَى بِالْقَلِيلِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْعُمُومِ، أَمَّا مَا فَعَلَهُ الْكَافِرُ مِنَ الْخَيْرِ، فَالْآيَاتُ تُصَرِّحُ بِإِحْبَاطِهِ، كَقَوْلِهِ: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [١١ \ ١٦] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [٢٥ \ ٢٣] ، وَكَقَوْلِهِ: أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ الْآيَةَ [١٤ \ ١٨] وَقَوْلِهِ: أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ الْآيَةَ [٢٤ \ ٣٩] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَأَمَّا مَا عَمِلَهُ الْمُسْلِمُ مِنَ الشَّرِّ، فَقَدْ صَرَّحَتِ الْآيَاتُ بِعَدَمِ لُزُومِ مُؤَاخَذَتِهِ بِهِ، لِاحْتِمَالِ الْمَغْفِرَةِ أَوْ لِوَعْدِ اللَّهِ بِهَا. كَقَوْلِهِ: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ، [٤ \ ٤٨] وَقَوْلِهِ: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [٤ \ ٣١] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْآيَةَ مِنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ، وَالْمَعْنَى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، إِنْ لَمْ يُحْبِطْهُ الْكُفْرُ بِدَلِيلِ آيَاتِ إِحْبَاطِ الْكُفْرِ عَمَلَ الْكُفَّارِ: وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ، إِنْ لَمْ يَغْفِرْهُ اللَّهُ لَهُ بِدَلِيلِ آيَاتِ احْتِمَالِ الْغُفْرَانِ وَالْوَعْدِ بِهِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْآيَةَ عَلَى عُمُومِهَا، وَأَنَّ الْكَافِرَ يَرَى جَزَاءَ كُلِّ عَمَلِهِ الْحَسَنِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا الْآيَةَ [١١ \ ١٥] ، وَقَوْلُهُ:
وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا الْآيَةَ [٤٢ \ ٢٠] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ [٢٤ \ ٣٩] وَالْمُؤْمِنُ يَرَى جَزَاءَ عَمَلِهِ السَّيِّئِ فِي الدُّنْيَا بِالْمَصَائِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute