للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ سَبَأٍ

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ.

هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ، قِرَاءَةِ ضَمِّ الْيَاءِ مَعَ فَتْحِ الزَّايِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، مَعَ رَفْعِ «الْكَفُورَ» عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ، وَقِرَاءَةِ «نُجَازِي» بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ مَعَ نَصْبِ «الْكَفُورَ» ، عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ تَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ الْجَزَاءِ بِالْمُبَالِغِينَ فِي الْكُفْرِ.

وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى عُمُومِ الْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ الْآيَةَ [٩٩ \ ٧] .

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَعْنَى مَا نُجَازِي هَذَا الْجَزَاءَ الشَّدِيدَ الْمُسْتَأْصِلَ إِلَّا الْمُبَالِغَ فِي الْكُفْرَانِ.

الثَّانِي: أَنَّ مَا يُفْعَلُ بِغَيْرِ الْكَافِرِ مِنَ الْجَزَاءِ لَيْسَ عِقَابًا فِي الْحَقِيقَةِ، لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ وَتَمْحِيصٌ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُجَازَى بِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ مَعَ الْمُنَاقَشَةِ التَّامَّةِ إِلَّا الْكَافِرُ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ فَقَدْ هَلَكَ وَأَنَّهُ لَمَّا سَأَلَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا [٨٤ \ ٨ - ٩] ، قَالَ لَهَا ذَلِكَ الْغَرَضَ، وَبَيَّنَ لَهَا أَنَّ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ، لَا بُدَّ أَنْ يَهْلِكَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ الْآيَةَ.

هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْأَلُ أُمَّتَهُ أَجْرًا عَلَى تَبْلِيغِ مَا

<<  <   >  >>