للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّذِيرُ [٣٥ \ ٣٧] ، فَإِنَّهُ عَامٌّ أَيْضًا لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ [٣٥ \ ٣٦] .

وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ مَعَ إِنَّهُ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ أَهْلَ الْفَتْرَةِ فِي النَّارِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ، [٩ \ ١١٣] فَإِنَّ عُمُومَهَا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ مَنْ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [٤ \ ١٨] .

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [٢ \ ١٦١] .

وَقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا الْآيَةَ [٣ \ ٩١] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ مَنْ لَمْ يَأْتِهِ نَذِيرٌ فِي دَارِ الدُّنْيَا وَكَانَ كَافِرًا حَتَّى مَاتَ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، هَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لِكُفْرِهِ، أَوْ هُوَ مَعْذُورٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِ نَذِيرٌ؟ كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ بِقَوْلِهِ:

ذُو فَتْرَةٍ بِالْفَرْعِ لَا يُرَاعُ ... وَفِي الْأُصُولِ بَيْنَهُمْ نِزَاعُ

وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ جَوَابَ أَهْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ، وَنَذْكُرُ مَا يَقْتَضِي الدَّلِيلُ رُجْحَانَهُ، فَنَقُولُ وَبِاللَّهِ نَسْتَعِينُ:

قَدْ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّ الْكَافِرَ فِي النَّارِ، وَلَوْ مَاتَ فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهَذَا الْقَوْلِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِدَلَالَةِ الْأَحَادِيثِ عَلَى تَعْذِيبِ بَعْضِ أَهْلِ الْفَتْرَةِ.

وَحَكَى الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ التفيح الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَوْتَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي النَّارِ لِكُفْرِهِمْ، كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ نَشْرِ الْبُنُودِ.

وَأَجَابَ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ آيَةِ: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ وَأَمْثَالِهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّعْذِيبَ الْمَنْفِيَّ فِي قَوْلِهِ: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ وَأَمْثَالِهَا هُوَ التَّعْذِيبُ الدُّنْيَوِيُّ، فَلَا يُنَافِي ثُبُوتَ التَّعْذِيبِ فِي الْآخِرَةِ.

<<  <   >  >>