للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلَهُ: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [٢: ٢٨٦] مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: «قَدْ فَعَلْتُ» ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ بِذَلِكَ كَانَ مَعْهُودًا قَبْلُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ [٢٠ \ ١١٥] مَعَ قَوْلِهِ: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ [٢٠ \ ١٢١] ، فَأَسْنَدَ إِلَيْهِ النِّسْيَانَ وَالْعِصْيَانَ مَعًا، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسْيَانِ التَّرْكُ، فَلَا دَلِيلَ فِي الْآيَةِ.

وَقَوْلُهُ: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا، مَعَ قَوْلِهِ: كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا [٢ \ ٢٨٦] ، وَيُسْتَأْنَسُ لِهَذَا بِمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الْكَلْبِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ بِالنِّسْيَانِ كَانَتْ مِنَ الْإِصْرِ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا، وَكَانَ عِقَابُهَا يُعَجَّلُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَيُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ بَعْضُ الطَّيِّبَاتِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ الْإِكْرَاهَ عُذْرٌ لِمَنْ قَبْلَنَا، وَعَلَيْهِ فَالْجَوَابُ هُوَ:

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْكُفْرِ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِاسْتِدْرَاجِ الشَّيْطَانِ إِلَى اسْتِحْسَانِهِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهِ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [١٦ \ ١٠٦] وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ جَنَحَ صَاحِبُ رَوْحِ الْمَعَانِي، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ عِنْدِي وَأَوْضَحُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا.

هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَيْبَهَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَرْكِ الْمَلِكِ الْغَاصِبِ لَهَا، وَلِذَلِكَ خَرَقَهَا الْخَضِرُ، وَعُمُومُ قَوْلِهِ: وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا [١٨ \ ٧٩] يَقْتَضِي أَخْذَ الْمَلِكِ لِلْمَعِيبَةِ وَالصَّحِيحَةِ مَعًا.

وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفَ الصِّفَةِ، وَتَقْدِيرُهُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ صَحِيحَةٍ، وَحَذْفُ النَّعْتِ إِذَا دَلَّ الْمَقَامُ عَلَيْهِ جَائِزٌ، كَمَا أَشَارَ لَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

وَمَا مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ ...

<<  <   >  >>