للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يَتَسَاءَلُونَ يَوْمَ

الْقِيَامَةِ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْأَنْسَابِ بَيْنَهُمْ، كَقَوْلِهِ: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ الْآيَةَ [٨٠] ، وَآيَاتٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَتَسَاءَلُونَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [٣٧ \ ٢٧] .

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ الْأَنْسَابِ انْقِطَاعُ فَوَائِدِهَا وَآثَارُهَا الَّتِي كَانَتْ مُتَرَتِّبَةً عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، مِنَ الْعَوَاطِفِ وَالنَّفْعِ وَالصِّلَاتِ وَالتَّفَاخُرِ بِالْآبَاءِ لَا نَفْيُ حَقِيقَتِهَا.

وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ نَفْيَ السُّؤَالِ بَعْدَ النَّفْخَةِ الْأَوْلَى، وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ وَإِثْبَاتُهُ بَعْدَهُمَا مَعًا.

الثَّانِي: أَنَّ نَفْيَ السُّؤَالِ عِنْدَ اشْتِغَالِهِمْ بِالصَّعْقِ وَالْمُحَاسَبَةِ وَالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ، وَإِثْبَاتَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَهُوَ عَنِ السُّدِّيِّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

الثَّالِثُ: أَنَّ السُّؤَالَ الْمَنْفِيَّ سُؤَالٌ خَاصٌّ، وَهُوَ سُؤَالُ بَعْضِهِمُ الْعَفْوَ مِنْ بَعْضٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْحُقُوقِ لِقُنُوطِهِمْ مِنَ الْإِعْطَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْمَسْؤُولُ أَبًا أَوِ ابْنًا أَوْ أُمًّا أَوْ زَوْجَةً، ذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ أَيْضًا صَاحِبُ الْإِتْقَانِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ.

هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ يَزْعُمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُمْ مَا لَبِثُوا إِلَّا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ يُفْهَمُ مِنْهَا خِلَافُ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا [٢٠] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [٣٠] .

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْءَانِ، وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [١٨ \ ١٩] . وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَبِثْنَا سَاعَةً. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَبِثْنَا عَشْرًا.

وَوَجْهُ دَلَالَةِ الْقُرْءَانِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ أَقْوَاهُمْ إِدْرَاكًا وَأَرْجَحَهُمْ عَقْلًا

<<  <   >  >>