للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِجَارَتُهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، لَا دُخُولُهُ الْجَنَّةَ.

وَقَدْ تَمَسَّكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالُوا: إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُطِيعِينَ مِنَ الْجِنِّ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، مَعَ أَنَّهُ جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُؤْمِنِيهِمْ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [٥٥ \ ٤٦] ، لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ شُمُولَهُ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ بَقَوْلِهِ: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [٥٥ \ ٤٧] ، وَيُسْتَأْنَسُ لِهَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ [٥٥ \ ٥٦] ، لِأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ فِي الْجَنَّةِ جِنًّا يَطْمِثُونَ النِّسَاءَ كَالْإِنْسِ.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا، أَنَّ آيَةَ «الْأَحْقَافِ» نُصَّ فِيهَا عَلَى الْغُفْرَانِ وَالْإِجَارَةِ مِنَ الْعَذَابِ، وَلَمْ يُتَعَرَّضْ فِيهَا لِدُخُولِ الْجَنَّةِ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ، وَآيَةُ «الرَّحْمَنِ» نُصَّ فِيهَا عَلَى دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِيهَا: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ.

وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمَوْصُولَاتِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، فَقَوْلُهُ: «لِمَنْ خَافَ» يَعُمُّ كُلَّ خَائِفٍ مَقَامَ رَبِّهِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِشُمُولِ ذَلِكَ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ مَعًا بِقَوْلِهِ: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْوَعْدَ بِالْجَنَّتَيْنِ لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ مِنْ آلَائِهِ، أَيْ نِعَمِهِ عَلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ لِأَنَّ إِحْدَاهُمَا بَيَّنَتْ مَا لَمْ تَتَعَرَّضْ لَهُ الْأُخْرَى، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ يُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِالْمَفْهُومِ.

وَقَوْلُهُ: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، يَدُلُّ عَلَى دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ بِعُمُومِ الْمَنْطُوقِ، وَالْمَنْطُوقُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّا إِذَا أَرَدْنَا تَحْقِيقَ هَذَا الْمَفْهُومِ الْمُدَّعَى، وَجَدْنَاهُ مَعْدُومًا مِنْ أَصْلِهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ قِسْمَةَ الْمَفْهُومِ ثُنَائِيَّةٌ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ أَوْ مُخَالَفَةٍ وَلَا ثَالِثَ، وَلَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَفْهُومُ الْمُدَّعَى فِي شَيْءٍ مِنْ أَقْسَامِ الْمَفْهُومَيْنِ، أَمَّا عَدَمُ دُخُولِهِ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ بِقِسْمَيْهِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا عَدَمُ

<<  <   >  >>